علاء عصام يكتب.. «حشو» المناهج صفقة بين البيروقراطية والتجار
علاء عصام
مرت أعوام عديدة على الدراسة بالتعليم الأساسي، ربما تزيد على عشرين عاما، ومازلت أتذكر عدم اكتراثي أنا وأبناء جيلي بكتب المدرسة وطريقة شرح المناهج بها، ومدى تعلقي بالكتب الخارجية لسهولة الفهم والحفظ والتكرار، من أجل النجاح والحصول على الشهادة وكفى.
وكلما مرت الأيام والأعوام أتذكر عناء وإرهاق سنوات الدراسة، وعدم اقتناعي بـ "حشو" المناهج بالمعلومات والطلاسم في مختلف المواد العلمية قبل الأدبية، كما كنت ومازلت أشعر بالاستغراب لا سيما وأنا في عمري الحالي بمنتصف الثلاثين، أكتشف أنني ينقصني العديد من المهارات، التي لو كنت تعلمتها واكتسبتها لأصبحت أكثر قوة وقدرة على تحقيق النجاح في عملي وعلى المستوى الوطني.
وفي ذات الوقت لست من أنصار تقليل أهمية المناهج الدراسية ودورها في توسيع المدارك وبناء عقل يمتلك منهجا علميا للتفكير والتحليل والإبداع، ولكن أصارحكم القول فإنني لست مقتنعا بأن المنهج الذي يحتاج لكتب خارجية لفهمه، سوف يساهم في تحقيق هذه الأهداف وتأكدت من ذلك عندما خرجت للحياة.
ورغم مرور كل هذه الأعوام، اكتشفت أيضًا أن أبناء الجيل الحالي، مازالوا متعلقين بالدروس الخصوصية والكتب الخارجية، لفهم المناهج المدرسية، ويغيب عنهم مختلف المهارات التي تساهم في بناء شخصية نقدية وقادرة على التفاعل مع عالمنا الحديث، الذي يتطور علميا وتكنولوجيًا كل لحظة.
وفي ظني كلما تجاوزت عدد الساعات التعليمية النظرية البنكية 95 % من حياة التلاميذ، على حساب طرق بناء الشخصية الأخرى، التي يتم تحصيلها من البحث والاستقصاء واكتشاف المهارات الفنية والرياضية والعلمية والإبداعية بشكل عام، ساهم ذلك في تخريج ملايين الطلاب، غير القادرين على التعاطي مع سوق العمل، الذي يعتمد على المهارات بالتوازي مع المعلومات، بل أصبحت المهارات ومناهج التفكير والسلوك أساس نجاح أي إنسان في وظيفته أو رسالته.
وفي الحقيقة ليست صدفة أن تظل المناهج الحكومية غير مفهومة للطلاب وأولياء الأمور حتى وقتنا الحالي، ويحتاج فك طلاسمها مزيدًا من الدروس الخصوصية والكتب الخارجية، ويحدث ذلك على مدار 40 عامًا على الأقل دون حلول عملية وموضوعية، لتقليل الحشو في المناهج وتقديمها للطلاب بشكل بسيط غير معقد.
وكدت أتشكك في نوايا واضعي هذه المناهج من خبراء وأساتذة في مختلف المراحل الدراسية، وإصرارهم على وضع مناهج معقدة وكتب دراسية حكومية تحتاج إلى كتب خارجية لشرحها ودروس في كل المواد لتبسيطها، وكل ذلك يخدم طبعًا سماسرة وتجار الكتب الخارجية الذين يستعينون بمن كتبوا مناهجنا لكتابة الكتب الخارجية، إلى جانب أصحاب سناتر الدروس الخصوصية الذين يسوقون لأصحاب مطابع الكتب الخارجية.
وسواء يفعل هؤلاء البيروقراطيون ذلك بحسن نيه أو سوء نية، فالمحصلة والنتيجة في النهاية واحدة، وتساهم في ضعف كبير في مهارات وقدرات الطلاب بعد التخرج من التعليم الأساسي أو الجامعي، بداية من الكتابة والقراءة، وصولا إلى تدني مهارات وسلوك أبنائنا الملحوظ على مدار سنين طويلة في سوق العمل أو حتى عن طريق الحوار البسيط مع أغلبهم.
وبالطبع لا ألوم على الأهالي ولا التلاميذ، بل ألوم على واضعي هذه المناهج التي تجاوزتها كل المؤسسات التعليمية في جميع أنحاء العالم، وبالمناسبة هناك طرق حديثة عديدة تجعلنا نقدم هذه المناهج بشكل بسيط لا يجعل الطالب في حاجة لكتب خارجية أو دروس.
وفي ظني نحن أيضا يجب أن نطور شكل امتحاناتنا، حتى لا يصبح الطالب مضطرًا للحفظ البنكي من أجل النجاح، ولعل نظم الامتحانات الأمريكية والصينية واليابانية والبريطانية والسويدية والفنلندية كفيلة، لأن تكون نموذجا لنا نصيغ من خلالها شكل جديدا وعصريا ومصريا للامتحانات.
وفي النهاية يجب ألا نتحجج بالميزانية، لاسيما أن مناهجنا وطرق الامتحانات في التعليم الأساسي تطبق في التعليم المجاني والخاص، ويلهث طلاب المدارس الحكومية وأبناء المدارس عالية المصاريف، وراء الكتب الخارجية والدروس الخصوصية حتى الآن.
أخبار ذات صلة
الأكثر مشاهدة
من يتوج بكأس التحدي في بطولة إنتركونتيننتال؟
-
الأهلي المصري
-
باتشوكا المكسيكي
أكثر الكلمات انتشاراً